المرحوم الحاج علي البديوي (أيقونة العطاء والعلم والعمل)

    جامع الطرف، وحسينيّة الرسول ص. يكتنز هذان الموقعان الدينيّان سجلًا تاريخيًّا مليئًا؛ يعكس هذا السجل السلوك الاجتماعي لمجتمع الطرف سنّة وشيعة. ففي حين أنّ الحسينيّة دارٌ لممارسة المعتقدات الشيعيّة نجد بين ثنايا الأقوال التي وصلتنا من الأجداد الراحلين: أبناء أسرة الذياب (وهم من أهل السنّة) قد أسهموا في إعمار الحسينيّة بمقابل مادّي وأسقطوا حق عمل يومين (فزعة)؛ وهذه النقطة حَريّة بالتدوين صونًا لها من آفة النسيان.

    الجامع والحسينيّة هما من أقدم دور العبادة في قرية الطرف؛ إذ تم تأسيس الجامع في نهاية القرن الهجري الثالث عشر، وحسينيّة الرسول ص هي أقدم حسينيّة في قرية الطرف. ولنا أن نسرد تاريخ هذين المبنيين ونستعرض أبرز الملامح التاريخيّة: كانت الأرض التي قام عليها الجامع والحسينيّة مربطًا للجمال لأسرة السعيد، وكان الحاج علي بن محمد البديوي - يفتح مجلسه الذي لا تتعدى مساحتها التقريبيّة 16 مترًا لإقامة المأتم الحسيني، قام بتوسعته من جهة الشرق وذلك في العام 1380هـ، ونستطيع تحديد الموقع القديم للحسينيّة قبل التوسعة، في الجهة الجنوبيّة (مكان المنبر القديم) الذي كان باتجاه الشمال. كان للحاج علي البديوي فضل التأسيس الرعاية، وصرف عليها من أمواله؛ حيث أوقف عليها بعض أملاكه من عقارٍ ونخيلٍ. انتقلت رئاسة الحسينيّة بعد أن تقدّمت سنّه وقلّت موارده الماليّة إلى الحاج علي بن علي السالم، وقد تم انتقال الرئاسة من البديوي إلى السالم باتفاق المجتمع.

 

    بُنيت الحسينيّة بتصميمٍ هندسيٍ رائعٍ، يعكس ذوق الأحسائيين في عدم تكلّفهم، جودة في الصناعة وبساطة في الإعمار تلبيةً للحاجة وإرضاءً للذوق العام، تلك الذائقة التي تأنف الإسفاف في المظهر وتأبى الإسراف في الموارد. أمّا الأسقف فكانت بنت الطبيعة الأحسائيّة (جذوع النخل) والجدران من الجص، وهذه المادة (الجص) حكاية أخرى من حكايات ثقافة مجتمع الخليج العربي عامّةً ومجتمعنا الأحسائي خاصّة، تم جلبه من البر - تحديدًا من شرقي قرية الطرف - واشترك في تجهيزه البنّاؤون أبو إبراهيم محمد بن إبراهيم الفرحان، وصالح المزيدي وأبو صبّار، قاموا بحمل صخور الجص على الحمير تارة وعلى شاحنة المرحوم الحاج محمد الرستل تارةً أخرى.

    الجص المستخدم في البناء يتم تكسير قطعه وطحنها، ويتم تسخين هذه المادة المطحونة بواسطة إشعال الحطب أو جذوع النخل، ثم تُنخل جيّدًا لتصفية الشوائب، هذه العملية ربّما كانت سببًا مباشرًا أو غير مباشرٍ في ذهاب بصر المرحوم الحاج علي بن محمد الطويل الذي كان يقوم بهذه المهمة المضنية. شارك في عمل نقل مادة الجص وأعمال البناء والنجارة: حسين المزيدي وابنه علي المزيدي، والحاج أبو شاكر حسين بن علي البديوي، والمرحوم الحاج أبو عبد الله أحمد بن محمد الطويل وأخوه المرحوم الحاج أبو محمد علي بن محمد الطويل والحاج محمد الحسن، وأبناء أسرة الذياب.

 

    لم يقتصر دور المرحوم الحاج علي البديوي على تأسيس هذا الصرح الديني، بل قام بالتواصل مع ثلّة من خطباء الشيعة لقراءة المأتم الحسيني وأبرزهم:

1- الملا طاهر بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسين بن الشيخ ناصر بن الشيخ سليمان بن صالح بن أحمد بن عصفور البحراني الأحسائي (ت ١٤١٩ھ) من حي الفوارس بمدينة الهفوف.

2- الخطيب الشيخ أحمد بن صالح بن أحمد بن عبد الله بن علي بن أحمد الطويل (ت ١٤٠٤ھ) من حي الرقيّات بمدينة الهفوف.

3- ملا إبراهيم بن الملا علي بن حسين بن محمد الشليّان (ت ١٤٠٤ھ) من حي النعاثل بمدينة الهفوف، تعلّم قراءة القرآن الكريم عند والده الملا علي الذي كان هو الآخر يعلّم أبناء قرية الطرف القرآن الكريم آنذاك وكان من سكّان الطرف وقتئذ، وتعلّم اللغة العربيّة وعلوم الفقه عند العلّامة الشيخ عبد الكريم الممتّن.

4- السيد عبد الله بن هاشم بن شرف بن هاشم الحسن الصفواني (نسبة إلى مدينة صفوى) (ت ١٤١٣ھ)

 5- الشيخ حسن بن موسى الصفّار من أهالي القطيف.

6- الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين بن علي السميّن. من سكّان حي الشعبة بمدينة المبرّز) ت 1401هـ).

7-  الأديب الشيخ عبد الله بن حسين بن علي بن حسن بن علي بن عبد الله السميّن، من سكّان حي الشعبة بمدينة المبرّز) ت 1422هـ).

 

    رعى المرحوم الحاج علي بن محمد البديوي نواةً للعلم، كبرت وأثمرت وآتت أكلها، فمشوار طلبة العلوم الحوزويّة بدأ من سطح داره الذي ضم قرابة 30 شابًّا أمثال الشيخ جاسم الشملان والشيخ رستم الرستم والشيخ محمد الشريدة وغيرهم من المشايخ الفضلاء، فتح لهم داره واستقطب لهم الأساتذة، وبعدها أكملوا مشوارهم العلمي في النجف الأشرف، ولا شك أنّ فكرة تأسيس الحسينيّة كانت لدى الكثير من رجالات الطرف آنذاك؛ غير أنّ الذي بادر بتجسيد الفكرة على أرض الواقع وسعى في وجودها حيّة نابضة هو المرحوم الحاج علي البديوي.

    نزوله عند رغبة أبناء مجتمعه في انتقال رئاسة الحسينيّة وتغيير مسماها من حسينية (حجي) علي البديوي إلى حسينيّة الرسول ص، لهما أمران يعكسان صفاءً ونقاءَ سريرة وحكمةً ورويّة؛ ذلك أنّ القضايا التي تمس المنجزات الشخصيّة وتحولها إلى منجزات عامّة قليلٌ ما هم في مجتمعنا يرضون بها ويصونون المجتمع من الدخول في الاصطفافات الحزبيّة، لكنّ أبا محمد رحمه الله تسامى وسما بروحه الكبيرة ووافق على هذا المتغيّر، فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله خير جزاء المحسنين.

 

 


 

 

عبد الرحمن علي الغانم

15 نوفمبر 2023م

تعليقات

المشاركات الشائعة