مقالة لن يقرأها أحد!!


هذه المقالة ليست موجّهةً إلى مثقفي مجتمعنا ومفكريه, ولا حتّى طلاب الجامعات, بل هي موجّهةٌ إلى فئةٍ محددة من مجتمعنا؛ أعني بهم الذين لا يقرؤون، أو بالأحرى إلى الذين لا يجدون في القراءةِ متعةً راقية أو قيمة سامية؛ ولذا رأيتُ أن يكون عنوان مقالتي (مقالة لن يقرأها أحد!!)، فربما يدفعهمُ الفضولُ، أو حبُّ الاستطلاع إلى قراءة المقالة بسبب هذا العنوان؛ فيخيبُ ظنّي إن شاء الله، وربما يتحقق ظنّي فأغدو  صائبا في اختيار العنوان.

إنه لمن المؤسف - حقًّا- حين نقرأُ ما جاء في تقرير منظمة اليونسكو المنشور سنة 2012م -حسب صحيفة البيان الإماراتية (العدد 12876)- بأن كل 80 عربي يقرؤون كتابًا واحدًا في السنة, بينما يقرأ الأوروبي 35 كتابًا في السنة, وفيما يتعلق بدور النشر فإن معدل النشر في الدول العربية سنويا حوالي 6500 كتاب، بينما يصل 102000 كتاب في أميركا الشمالية, و42000 كتاب في أميركا اللاتينية والكاريبي, ومشكلة انخفاض المعدلات أيضا في ترجمة الكتب, وفي عدد المواضيع التي تكتب !!

واستنادا إلى ما ذكره الكاتبُ الكويتيُّ الدكتور ساجد العبدلي في كتابه (القراءة الذكية)؛ فإنّ متوسط القراءة في العالم العربي تقريبًا ستّ دقائق في السنة للفرد الواحد, في الوقت الذي نلاحظ أنّ المجتمعات المتقدّمة تستثمرُ جلَّ أوقاتها في القراءة.

إننا - انطلاقا من كوننا أمة اقرأ- متى ما أولينا القراءة اهتمامًا ولو بسيطًا فحتمًا سيثمرُ ذلك الاهتمامُ مردودًا ثقافيًّا وتطورًا فكريًّا، وسوف يضعنا ذلك في خانة الأمم المتحضرة، وستكون لدينا منهجية لتحقيق رؤية ما, وسنصبحُ مجتمعًا قرآنيًّا متحضرًا، وسوف نخرجُ من كوننا مجتمعًا لا يقرأ ويعيش على هامش الحياة تسوده الطوبائية والغوغائية إلى مجتمعٍ مدنيٍّ على كل الأصعدة. وليس هذا فحسب, بل حتى على مستوى علاقاتنا الاجتماعية سنتطور؛ لأننا سنتعاطى مع قضايانا وفق انطلاقات متنورة ومختلفة.

أنا مقتنع تمامًا بأهمية القراءة لشريحة الشباب؛ فلكي يتّجهُ الشّبابُ إلى القراءة, ويُصبحُ الكِتابُ هدفًا أساسيًا في حياتهم اليومية -كما هو الحال مع رياضة كرة القدم- فعلينا أنْ نحبّبهم في القراءة. فكما يقول عالم النفس الأمريكي الكاتب  بوروس فريدريك:"يجبُ علينا قبلَ أنْ نُوجّهُ النّاسَ إلى قراءةِ الكتبِ العظيمةِ أنْ نعلّمَهم حبَّ القراءةِ". وهناك مثل غربي يقول:"إذا أردتَ أنْ تُسعدَ إنسانًا فحبّب إليه القراءة".

هناك كتبٌ موسوعيّة كُتبت في علوم شتى وآدابٍ مختلفة؛ فجميل جداً أن يكونَ الشابُّ قارئًا متنوعًا, أو قارئا متعمقًا في مجالات يميلُ إليها، ويجدُها محل اهتماماته؛ فحسب تجربتي البسيطة مع الكتب, فإنّ هناك بعضَ الأمور لو توفّرت لأصبح للقراءة حضورٌ أكبر في حياتنا, فلا بأس بأنْ نُعلّقَ رفًّا على أحد حيطان صالة الجلوس في المنزل، ونضعَ عليه مجموعة من الكتب المنوعة, لا أقولُ: مكتبة، بل رَفٌّ واحد فقط؛ فكونك ترى الكتب أمام عينيك، فسيدفعك صفاءُ ذهنك يومًا ما إلى قراءة أحد هذه الكتب.

ولا بأس بأنْ تضعَ كتابا في أغلب الأماكن بالمنزل وفي سيارتك, بحيث تحقّقُ ما تحققه شركات الدعاية والإعلان, فشركة المشروبات الغازية (البيبسي) تضع إعلانا تجاريا في التلفزيون, وإذا كنت من كبار السن، أو لا توجد بينك وبين التلفزيون ثمة علاقة فهم قد اصطادوك عبر الراديو, والإعلان نفسه سيصادفك عند إشارات المرور، وفي الشوارع، ومطبوع في الصحف والمجلات، فهم لم يقوموا بهذا العمل اعتباطا؛ لأنهم ينفقون حسب النظرية الاقتصادية الأمريكية 90 % من رأس المال على الدعاية والإعلان؛ لأن هذه الإعلانات التجارية لها علاقة متصلة بعلم النفس للتأثير على المستهلك. فمتى تمّ عرضُ أي شيء بطريقة جذابة، وبشكل مستمر فسوف تهتمّ به بلا تردد, وهذا ما أرمي إليه في اقتراحي عن الرّفِّ المنزلي للكتب.

فلا بد لنا قبل قراءة أي كتاب أنْ نسألَ عن الكتب المناسبة لتوجهاتنا واحتياجاتنا, فهناك كتب يحتاجها الباحثون والمختصون, ومن حيث الوقت علينا ألا نستعجلَ في القراءة, فلو نوينا قراءة كتاب يقع في 300 صفحة مثلاً, فلا بأس أن نقرأه في شهرٍ كامل بحيث نقرأ عشرَ صفحات يوميا، وهذا معدل مناسب للمبتدئ في القراءة, ولو عملنا بهذه الخطة المتدرجة سنكون خرجنا في نهاية السنة وقد قرأنا اثنيْ عشرَ كتابًا, لا أريد أن أطيل أكثر من هذا القدر, وأحب أنْ أختمَ بأننا في زمن الهواتف الذكية، وتستطيع قراءة الكتب من خلالها في أي وقت وفي أي مكان. يقول عالم الطبيعة الإنجليزي جلبرت وايت:"ليس هناك كتب، أو  أكمام من الأوراق الميتة على الأرفف, بل هي عقول حية".


عبد الرحمن علي
14 / 04 / 1438 هـ 



تعليقات

المشاركات الشائعة