مجموعات الـ whatsapp

      هناك ظواهر وسلوكيات اجتماعية كثيرة, تبقى ردحًا من الزمن يغلب عليها طابع العشوائية, ولا تتطور للأحسن ما برح المجتمع لا ينقدها بموضوعيةٍ, وطالما لا يستفيد من المتغيرات التي تطرأ عليه من الخارج، مثل التكنلوجيا. لا أعني السلوكيات السلبية فقط، بل حتى السلوكيات العادية. عُرِف الإنسان - منذ فجر الخليقة - بتفاعله مع كل ما يحيط به (الطبيعة, الحيوانات, الإنسان الآخر). وهذا - عينًا - ما يحصل في تلقي مجتمعنا لبرنامج تم طرحه مؤخرًا في السوق الالكترونية. 

        إنه برنامج المحادثات الكتابية (WhatsApp), فالمجتمع السعودي ألفه قبل ثماني سنوات، ويصادف ذلك 24 فبراير 2009م؛ تزامنًا مع تطور الهواتف المحمولة من هواتف عادية إلى هواتف ذكية. وبرنامج WhatsApp، مثل غيره من برامج التواصل الاجتماعي (الفيس بوك, التويتر, الماسنجر), من حيث التفاعل. فالمجتمع قد تفاعل معها بكل أطيافه وشرائحه صغارًا وكبارًا نساءً ورجالاً. وقد كان لهذه البرامج تأثيرٌ ملحوظٌ على شتى الأصعدة, في الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي وكذا الجانب الثقافي, بل حتى في الجانب السياسي كان لها تأثيرٌ في مختلف مستخدميها, فقد اندلعت ثورات في دول عربية، وسقطت أنظمة فيما عرف بــ (الربيع العربي), فضلاً عن أن بعض الأحزاب السياسية المعارضة، والحركات الإسلامية الراديكالية سخّرت هذه البرامج في تحقيق أجندتها. 

      لا أقول إن المجتمع تعاطى مع برنامج الـ WhatsApp بشكلٍ سلبي أو سطحي, فهناك الكثير من أبناء المجتمع وظفوا هذا البرنامج في نشاطات علمية، واستفاد منه آخرون في الاستثمار المالي, وأدرج أغلب المسؤولين هذا البرنامج, ضمن أدواتهم الإدارية؛ للإشراف على الموظفين الذين يعملون تحت إدارتهم.
  
    وأود تسليط الضوء في مقالتي على بعض السلبيات التي انتشرت في مجتمعنا، ولاسيما بعد تطور هذا البرنامج, من قبل الشركة المشغلة، مثل إضافة خاصية التسجيل الصوتي، وإمكانية إنشاء مجموعة يتم إضافة مستخدمين فيها, وهي ما تعرف بـ (group), وغيرها من المميزات التي مكنت لهذا البرنامج فرصة اقتحام البيوت جلها بواسطة الهواتف الذكية.
  
    وأبرز تلك السلبيات: هي سرعة انتقال الشائعات، سواءً فيما يتعلق بمستجدات القرارات الرسمية، أو بالقضايا الاجتماعية, وفي هذا المقام أود أن أشير إلى الذين يقفون خلف هذه الظاهرة, وهم أناس دأبهم إيقاع الفتنة، واختلاق الزوابع بين (المجتمع و الدولة وبين فئات المجتمع نفسه), من خلال بث الشائعات فيما يتعلق بالقرارات المالية, ومنشأ هذه السلبية هو مستوى ثقافة الشريحة التي تصدق كل شاردة وواردة.
    
  والسلبية الثانية: هي تلك المجموعات التي تنشأ لتتحول فيما بعد من تقنية نافعة تخدم المجتمع إلى أداة تمزيق للمجتمع!! فوسائل التواصل الاجتماعي والـ WhatsApp أحدها, هي وسيلة لا غاية. لكنّ البعض أصبح وأمسى يتعامل مع مجموعات الـWhatsApp، وكأن الـWhatsApp هو الغاية؛ ولذا تنشب خلافات أسرية في بعض الحالات بسبب سوء التعاطي مع هذه المجموعات, وتتجاوز هذه الخلافات شاشات الهواتف لتنتقل إلى أرض الواقع.

     وهناك سلبية ثالثة وهي ظاهرة هدر الوقت في المحادثات الكتابية التي يعبر عنها بالدردشة في موضوعات لا طائل منها، ولا فائدة فيها, وأقل ما يقال عنها إنها (ثرثرة بلا فائدة).
  
    وختامًا أطرح السؤال التالي على القارئ الكريم؛ متى سنكون على قَدْرٍ كافٍ من الوعي والفهم بحيث نوظف مثل هذه الأدوات بالشكل المثالي؟ وتبقى الإجابة عن هذا السؤال قيد إرادتنا وإصرارنا على التطور والتقدم. وأول خطوة نحو هذا الطريق, هي أن تكون هذه البرامج في خانة الوسائل التي نصل عبرها للغايات لا العكس, وألا تستحوذ على ذواتنا، وتسلبنا هواياتنا؛ فنغدو تحت تصرفها بدل أن تكون هي تحت تصرفنا. وليكن شعارنا في استخدامنا لهذه البرامج (نلتقي لنرتقي).


عبد الرحمن علي
12/05/1438هـ   

تعليقات

المشاركات الشائعة