الاستهلال وتشنّج الحوزوي

   في خامس أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام، انتشر مقال للشيخ جعفر المطر بعنوان (العيد والطعن في مراجع الطائفة). ومما يؤسف له، أن الذين يُعوّل عليهم جمع الكلمة ورأب الصدع بين أطياف الشيعة فضلًا عمّا بين المسلمين قاطبةً، وأعني بهم طلّاب العلم الحوزويين الذين يُفترض أن تكون أقلامهم مشعلًا ينير الجادّة نحو تقارب والتحام المجتمع بعضهم ببعض، نرى وللأسف أمثال الشيخ جعفر المطر قلمه لم يبقِ كلمة من كلمات التسقيط ومن الكلمات التي لا تليق بطلبة العلم مثل ( تتطاول رؤوس زمرة، من جحورها، نواياهم المشبوهة، لبث السموم) فضلًا عن أنه كرّر عبارات توحي بأحد أمرين، إما أن الشيخ المطر يتوّهم هؤلاء الزمرة - حسب تعبيره - أو أنه يعني أشخاصًا معينين، فإن كان يعني أحدًا معيّنًا فلماذا لا يستشهد بشيء ملموس (توثيق نصوص مكتوبة أو منطوقة) حتى نكون على بيّنة ونستطيع فهم المغزى من هذا الخطاب المتشنّج، وإما أنه واهمٌ - وهذا ما أراه - لأننا ولله الحمد في هذا العام، شهدنا عيدًا التقت فيه كل الأطياف الشيعية، حيث أن جميع المراجع الفضلاء أعلنوا في ليلة الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان بأن يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شوّال، ما خلى آية الله السيّد علي الحسيني السيستاني - حفظه الله - حيث أعلن بأن الجمعة متمّم لشهر رمضان، غير أن مقلديه في كل دول مجلس التعاون الخليجي، كان قد خرج منهم مجموعة كبيرة للاستهلال وقد شاهدوه ورصدوه في سماء المنطقة، فصدحت مآذنهم  بالتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح لله، فكان حرٌي بالشيخ المطر أن يبتهج لهذا الحدث العاطر، لا أن يستشيط غضبًا وتشنّجًا ويدوّن هذا المقال الذي يعكس انطباعًا غامضًا تجاه (استقرار المجتمع والتقائهم في ظرفٍ اجتماعي ديني كهذا)!!



     ولعل الشيخ المطر أراد أن يصفي حساباته مع من يختلف معهم في الرأي الفقهي حول الاستهلال، فزجّ بخلافه الشخصي في وسط المجتمع، مستترا خلف عباءة المرجعية، التي كاد أن يصل بها إلى حد الغلو. وما لفت انتباهي وحرّك قلمي للتعليق على مقاله، ثلاث نقاط: الأولى حول علاقتنا بالمراجع، وما يتوجب علينا تجاههم، والثانية حول مسألة التهاون في ضوابط الرجوع إلى مرجع آخر، ولا أعلم لماذا استحى أن يصرّح بالمصطلح الذي يعنيه وهو التبعيض، وأما الثالثة فهي دعوة من الشيخ إلى المؤمنين بالبحث والمطالعة.



   أما النقطة الأولى، فقد قال: "إن هذا بدا جليا واضحاً حينما نسبوا أخطاء المجتمع - إن وقعت -للمراجع وألصقوها بهم، واتهموهم بأنهم متخلّون عن مسؤولياتهم . أو أن ذهنيات المراجع جامدة ومتخلفة وغير ناضجة لفهم مسألة الهلال، ولهذا ينبغي أن تتحرّك ذهنيات الفقهاء مع هذا الجوّ الذي يحصل!!" وقد قال هذا الكلام بصدد التعريض بمن يختلف مع علمائنا في الآراء، وقد خلط الشيخ المطر -هدانا الله وإيّاه- بين ظاهرة نقد الفقهاء وبين الاستهزاء بهم وعدم احترام علو كعبهم في العلم. وطالما أن العقول تتفاوت وكذا الأفهام ومدى سعة الإدراك من إنسان إلى آخر، فأين المشكلة في طرح الإشكالات والتساؤلات فضلًا عن النقد؟



     إنّ عملية الإنتاج المعرفي إذا خلت من النقد وأصبح المنتج المعرفي قالبًا صخريًا بعيدًا عن متناول الأيدي، بقي كما هو وسيمر عليه الزمن وسيبلى، لأن الزمن متحرك وغير ثابت، والكون سيّار وليس قارا، وكلامي هنا حول المنتج المعرفي البشري. أعجب لكلام الشيخ المطر حول استنكاره لمن يطالب المراجع بمزامنة المتغيرات والتطورات، حين تطرّق لذهنيات المراجع وأن البعض يصفها بالجمود وعدم النضج في فهم وإدراك مسألة الهلال، وأنهم يطالبون بأن تتحرك في هذا الجو - كما عبّر في مقاله - أليس هذا ديدن العلماء على مر التاريخ، أن يواكبوا المتغيرات والمستجدات؟ أليس التجديد في  الفقه هو أحد أبرز ركائز الإجتهاد، والذي يميّز مدرسة أهل البيت ع عن سائر المدارس الإسلامية؟

 كم من الأمور الكثيرة طرأت على المجتمع الإسلامي، ليس في القرن الخامس عشر الهجري، بل حتى في القرن الثالث الهجري؛ مما تطلّب من جمهور العلماء بأن يطبّقوا القواعد الكليّة على المسائل الحديثة التي سبقها النص.



   وأما النقطة الثانية، لا أعلم لماذا شعرت حين وصلت في قراءتي لمقال الشيخ المطر إلى هذا المقطع، أن الشيخ يتوجس خيفة من أن يُمس هذا الباب، وأعني به موضوع التبعيض في تقليد المراجع، هذا الموضوع المسكوت عنه من قبل الغالبية العظمى من الشيعة، وطالما أن الشيخ تطرّق له - على استحياء - فسأكتفي بطرح تساؤلٍ رغم أني متأكد بأنه لن يعيرني اهتمامه. بعيدًا عن مسألة رؤية الهلال والمسائل المتعلقة بالصيام وبالعيد، من أين أتت لنا فكرة حصر الأخذ في المسائل الشرعية (التقليد بالمفهوم الحديث) على مرجعٍ واحد؟



   أما النقطة الثالثة، فياليت أن الشيخ المطر يلتزم بموقفه من هذه الدعوة، وأن لا يكون من خصوم هذه الأمنية (التسلّح بثقافة المعرفة الفقهية) سواءً في مسائل الاستهلال أو غيرها، لأن الشاب ما إن يفتح الكتب ويبدأ في المطالعة والبحث والقراءة، حتى تتضح له أمور وتنكشف أمور أخرى، وسيغضب الشيخ المطر وأمثاله من الشيوخ الذي يسيرون مع الناس (لا أريكم إلا ما أرى).



وختامًا أقول للشيخ جعفر المطر، وإلى كل من يحذو حذوه في هذا المنهج المتشنّج، رفقًا بالمسلمين، فقد مزّقتم الصف وزرعتم العداوة والبغضاء بيننا نحن الشيعة، وكل عامٍ والمسلمون يجمعهم عيد واحد.







عبدالرحمن علي

8 شوّال 1439هـ.

تعليقات

المشاركات الشائعة