قراءة في محاضرات الشيخ محمد العبّاد، محرّم الحرام ١٤٤٠هـ.

      أن يخلو الخطاب الحسيني مما ينفّر الآخر من سماعه، وأن يشتمل الخطاب على الألوان الثقافية الأخرى، فهذا مؤشّر على اعتدال المناخ الثقافي وصفاء العقول.
    من خلال متابعتي لمحاضرات فضيلة الشيخ محمد العبّاد لهذا الموسم، لفت انتباهي جانب مشرق في أطروحاته المتمثلة في اثنتي عشرة محاضرة، وهذا الجانب المشرق الذي أعنيه هو نمط الخطاب ذا الطابع الشمولي. فلا تكاد تجد في نفسك حرجًا من مشاركة هذه المحاضرات لأحد الأصدقاء من خارج الطائفة فضلًا عن الديانة. وما أحوجنا لأن يكون الخطاب الحسيني خطابًا إنسانيًا لا خطابًا شيعيًا فحسب، ذلك أن من أهم عوامل تطور البشر على مر التاريخ، وأحد أسباب ازدهار الحضارات، هو (الحوار مع الآخر، ودراسة أديان وثقافات الأمم والشعوب).
    وقد لفت انتباهي أيضًا أنه منفتح على التيارات الفكرية الأخرى، كالعلمانية والحداثة والمدارس الغربية الأخرى؛ ولذا لا تخلو محاضرة من محاضراته من اسم عالم من العلماء أو مؤلَّف من المؤلَّفات، وهذا بدوره يفتح نافذة للجمهور، بأن يقرؤوا ويبحثوا من خلال تلك الأسماء التي تُذكر في المحاضرة.
    وإنني إذ أتقدم بالشكر والثناء لفضيلة الشيخ على هذا العطاء العلمي، وعلى مجهوده وعناء بحثه، وله الشكر أيضا على رحابة صدره وتقبّله للنقد، وإعطائه الفرصة للجمهور بأن يشاركوه ما لديهم من ملاحظات وإضافات ونقود على طرحه؛ ولذا فقد سجّلت نقطتين، واللتين ليستا بالضرورة أن تكونا نقدًا لسلبيات وإنما من باب المشاركة في تطوير المنتج الثقافي الذي قدّمه فضيلة الشيخ.
1-   الحث على البكاء على أبي الشهداء (عليه السلام):
جاء في ذيل المحاضرة الأولى، والتي كان عنوانها (في رحاب الضيافة الحسينيّة)، حثًا على البكاء على أبي الشهداء - عليه السلام - وربط فضيلة الشيخ لفظ (الخشوع) بالبكاء على الإمام الحسين - عليه السلام - مستشهدًا بالآية الكريمة – آية 16 من سورة الحديد: (أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ). نجد أن فضيلة الشيخ أورد قول الإمام الصادق - عليه السلام - في الحث على البكاء على الإمام الحسين - عليه السلام - ، ضمن قوله بالحث على إحياء أمرهم - عليهم السلام. ففي سحب هذا الحديث على التاريخ وإبقاء مضمونه، مساهمة في استمرارية الحالة التراجيديّة للتشيّع. وهنا - برأيي - تكمن المشكلة، إذ أنك إذا ألقيت نظرة على القراءة التاريخية المقدَّمة من بعض علماء الشيعة، والتي ينقلها بعض الخطباء الحسينيين حول الأئمة - عليهم السلام - فستكتشف أن حالة من الجمود وحالة من الاستغراق في الهزيمة العسكريّة، التي مُنِي بها الإمام الحسين - عليه السلام - وحالة من التركيز على هذا الجانب، وإهمال الجوانب الفكريّة التي قام من أجلها إمامنا الحسين - عليه السلام - فضلًا أن الإبكاء من قبل الخطيب الحسيني، ومحاولته ربط أطروحاته بكيفيّة لا بد أن تمر خلال هذه العملية وهي (الإبكاء).
    نعم، قلوبنا تستعر نارًا وحرقةً على ما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه، وقد بكى العدو قبل الصديق عليهم، وقد جاءنا في النصوص الروائية كما تقدّم الحث على ذلك، لكنّي لا أستطيع قراءة تلك النصوص إلا من خلال الحالة التاريخيّة، آنذاك، والتي كانت تتطلّب شحذ النفوس وإبقاء شعلة مشاعرها ملتهبةً نحو الإمام الحسين - عليه السلام - لا أن نبقَ متقوقعين في المصيبة، مجسدين من خلالها تاريخًا عبئًا ، بل يُفترض بنا أن نغدو نحو تاريخٍ مُحَفّزًا، نستلهم من إرهاصات الماضي ومن الأزمات، ما نحسب حسابه في المستقبل.
٢- في محاضرة الليلة الثانية عشرة، والتي كانت بعنوان (السيدة زينب، والدور الريادي)، صدّر فضيلة الشيخ المحاضرة بقولٍ منسوب للإمام السجّاد (عليه السلام)  مخاطبًا فيه عمته زينب: "أنتِ بحمد الله عالمةً غير معلَّمة، فهمة غير مفهّمة". وأنا لديَّ تساؤلات حول متن الرواية، على أنّنا إذا ما عدنا إلى مصدر الرواية، فسنجدها في كتاب بحار الأنوار للشيخ المجلسي عليه الرحمة ج٤٥ ص١٦٤ - الباب ٣٩ (باب الوقائع المتأخّرة عن قتله ع) والرواية مرسلة!
فحسب الشيخ آصف محسني في كتابه (مشرعة بحار الأنوار ج٢ ص١٥٦): "الباب ٣٩: الوقائع المتأخّرة عن قتله (عليه السلام)  إلى رجوع أهل البيت (عليهم السلام) إلى المدينة، فيه ٤٨ رواية مرسلة، أو مسندة غير معتبرة، فلا بدّ من الأخذ، بالمتّفق عليها بين تلك الروايات، أو بما هي محفوفة بقرينةٍ معتبرة".
والتساؤلات هي: لماذا يتم إخفاء الدور الطبيعي في تربية وتنشئة شخصيّة مثل شخصيّة السيّدة زينب (عليها السلام) ؟ ولماذا يتم وصف كيفيّة تكوّن الأبعاد العلميّة والأخلاقيّة لشخصيّة السيّدة (عليها السلام)  بطريقة ميتافيزيقيّة كما جاء في الرواية ؟! وهل هذا يتقاطع ومفهوم (عالمةٍ غير معلّمةٍ فهمةٍ غير مفهّمةٍ)، حسب رأي فضيلة الشيخ؟


عبدالرحمن علي
٠٣ صفر ١٤٤٠هـ. 

تعليقات

المشاركات الشائعة